خصائص القانون:
يتبين من تعريف
القانون الذي قدمناه بأنه مجموعة من القواعد القانونية: القاعدة القانونية هي إذن
الوحدة التي يتكون منها القانون في مجموعة، وهذه القاعدة تنظم سلوك الأفراد في
المجتمع، فهي قاعدة سلوكية اجتماعية، عامة ومجردة، وتفرض هذه القاعدة من السلطة
العامة، فهي إذن قاعدة إلزامية.
1- القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعي:
فهي خطاب موجه
إلى الأفراد الذين يعيشون في المجتمع، فهي تفرض وجود عدة أفراد فتوجه إليهم خطابا
يتضمن الأمر بعمل شيء أو الامر بالامتناع عن عمل شيء.
وفي الغالب فإن
هذا الخطاب يصاغ على شكل أخطار للأفراد بترتيب آثار معينة على واقعة معينة،
فالقاعدة التي تعاقب بالإعدام من يقتل إنسانا عمدا مع سبق الإصرار والترصد،
والقاعدة التي تعاقب بالحبس من يسرق مال غيره قاعدتان من القانون الجنائي تنهيان
الناس عن القتل وعن السرقة، والقاعدة المدنية التي تقضي بأن من التزم بأمر معين
يجب عليه الوفاء بهذا الالتزام تتضمن أمرا للناس بالوفاء بما تعهدوا به.
وهذا الخطاب
موجه إلى الأشخاص إنما يرمي إلى تنظيم شؤونهم داخل المجتمع لذلك امتازت القاعدة
القانونية بكونها قاعدة اجتماعية، ولا يتصور وجودها إلا حيث يوجد مجتمع تقوم فيه
علاقات مختلفة بين أفراده، وليس ثمة حاجة إلى ظهورها إذا عاش الإنسان بمعزل عن
أقرانه، ذلك لأن حالة المجتمع هي التي ينشأ في ظلها التضارب بين المصالح للأفراد
والتي تقتضي بالضرورة إنشاء قواعد لتنظيم هذه المصالح.
ويترتب على كون
القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية نتائج هامة:
1- أن دراسة
القانون تدخل في نطاق العلوم الاجتماعية وتتصل بها. فغن القانون يتناول نظام الحكم
ويضع القواعد اللازمة لتنظيم شؤون الحكم فهو يتصل لإذن بعلم السياسة.
والقانون ينظم
كسب الناس للثروات وإنتاج هذه الثروات ومبادلتها وتوزيعها فهو يتصل إذن بعلم
الاقتصاد السياسي، وهو يتطرق في سبيل حماية المجتمع إلى طرق احترام الأفراد للأمر
الذي تتضمنه القاعدة القانونية ويدرس أسباب خروج الأفراد أحيانا على هذا الأمر
ويحاول تلافي أسباب هذا الخروج فهو يتصل بعلم النفس، وهو يتصل اتصالا وثيقا بعلم
الاجتماع وعلم الأخلاق، إذ يعتمد في وضع قواعده على الحقائق الاجتماعية من جهة
وعلى مبادئ علم الأخلاق من جهة أخرى.
ينبني كذلك على
كون القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية أن القانون لا يمكن أن يثبت على حالة واحدة،
بل هو متطور في الزمان، ومتغير بحسب المكان، لأن العلاقات الاجتماعية التي يحكمها
هي بطبيعتها متغيرة ومتطورة تختلف من عصر لآخر ومن مكان لآخر.
وإذا كانت
القاعدة القانونية تهدف إلى تنظيم العلاقات الاجتماعية فإنها لا تحكم سوى السلوك
الظاهر للأفراد، وهذه نتيجة ثالثة ترتبت على كون القاعدة القانونية قاعدة
اجتماعية.
والسلوك الظاهر
للأفراد هو السلوك الاجتماعي، لأي السلوك الإيجابي الخارجي، والقاعدة القانونية
تقف عند هذه الدائرة ولا تتعداها إلى مكنون النفس، ولا تتناول ما يدور في أعماق
الأفراد ولا في أفكارهم، وهكذا تظل نوايا الأفراد المخفية وخبايا نفوسهم بعيدة عن
نطاق القانون فهي ميدان محظور على القانون التدخل فيه، وهنا يكمن أهم وجه من أوجه
الخلاف بين القانون والأخلاق على أن القانون يأخذ أحيانا بنية الفرد إذا بدت هذه
النية في أعمال مادية أو إذا صحب هذه النية سلوك خارجي، لذلك تختلف عقوبة القتل
العمد المصحوب بنية إعطائه عن عقوبة القتل الخطأ، كما أن المشرع يرتب على الحيازة
في المنقول وفي العقار آثار هامة إذا صاحبها حسن النية.
فإذا كان
القانون لا يعملون بالنية طالما ظلت خافية في نفس الفرد، فإنه على العكس كثيرا ما
يترتب عليها آثار هامة إذا تجسمت في سلوكه الخارجي، أو ظهرت في نشاطه الاجتماعي.
إن تحديد نطاق
القاعدة القانونية في دائرة السلوك الخارجي لا يعني نطاقها في هذه الدائرة تمتد
إلى كافة أنواع العلاقات الاجتماعية، وتتناول بالتنظيم المصالح الإنسانية علاقات
الأفراد ببعضهم، علاقات الأفراد بالدولة، علاقات مختلف السلطات فيما بينها داخل
الدولة، علاقات الدول بعضها بالبعض الآخر، وليس القانون كما يتخيله الناس أحيانا
حبيس دائرة ضيقة من الأوضاع والإجراءات التي تقوم على تطبيقها السلطة القضائية في
الدولة، بل أن القانون أوسع نطاقا، وأبعد أثرا في الحياة الخاصة لكل فرد، وفي
الحياة الاجتماعية لكل الأفراد، فالفرد في عمله يدخل في علاقة مع صاحب العمل، وفي
حياته الخاصة يدخل في علاقات مع مالك داره، مع صاحب الحانوت الذي يشتري منه
حاجاته، مع هيئة النقل التي تنقله إلى مقر عمله يدخل في علاقات مع دائنه إذا
استدان أو مع مدينه إذا اقترض، والدولة كذلك تدخل في علاقة مع موظفيها عند تعيينهم
أو عزلهم، مع الشركات عند منحها امتيازا أو بمناسبة إلغاء الامتياز، ومع الهيئات
والجماعات، ومع دول لأخرى بمناسبة إقامة العلاقات الدبلوماسية أو بمناسبة تبادل
منتجاتها، وكل هذه العلاقات هي علاقات المصالح الإنسانية، علاقات الأفراد ببعضهم،
علاقات الأفراد بالدولة، علاقات مختلف السلطات فيما بينها داخل الدولة، علاقات
الدول بعضها بالبعض الآخر.
على أن القانون
لا يستأثر وحده بالتغلغل في صميم حياة الأفراد فإن هناك قواعد أخرى تشاركه في ذلك
فتساهم في تنظيم سلوكهم الاجتماعي وهذه القواعد هي قواعد الدين والأخلاق وقواعد
المجاملات، وسوف نفرد للتفرقة بين قواعد القانون وهذه القواعد مبحثا خاصا.
2- القاعدة القانونية قاعدة عامة ومجردة:
ليس كل خطاب
يتضمن أمرا أو نهيا يعتبر قاعدة قانونية يشترط في ذلك أن يوجه الخطاب إلى الناس
بصيغة التعميم والتجريد، والتعميم يعني أن القاعدة القانونية تنطبق على طائفة
مفتوحة من الأشخاص وفي الوقائع والحالات، فهي قابلة للتطبيق على كل شخص تنطبق عليه
الأوصاف التي تشير إليها القاعدة وعلى كل حالة أو واقعة توجد بالشروط التي
تتضمنها، فكل شخص اجتمعت فيه هذه الأوصاف، وكل واقعة توافرت فيها تلك الشروط طبقت
عليه القاعدة الموضوعة بصيغة التعميم.
أما إذا صدر
الخطاب إلى شخص معين باسمه أو بشأن واقعة معينة بالذات فيكون أمرا – ORDRE- لا قاعدة – REGLE-.
ويختلف الأمر
عن القاعدة في أن الأمر يقتصر تطبيقه على الشخص المعين أو على الواقعة التي صدر
بشأنها، ويستنفذ قوته بهذا التطبيق كالأمر الصادر بتعيين موظف مثلا فإنه يستنفذ
قوتها بتطبيقها مرة أخرى أو مرات عديدة، بل يتجدد العمل بها كلما توافرت شروط
انطباقها.
على أن صفة
العمومية التي تتصف بها القاعدة القانونية لا تعني بالضرورة وجوب انطباقها على كل
الأشخاص، فهناك قواعد قانونية كثيرة لا يمكن بطبيعتها أن تطبق إلى على عدد محدد من
الأشخاص وأحيانا على شخص واحد فقط ومثال ذلك القواعد التي تحدد سلطات الوزارة أو
سلطات رئيس الدولة – ومثل هذه القواعد لها مع ذلك التعمير لأنها لا توجه إلى شخص
معين بذاته بل تنطبق على كل شخص وجد في الظروف التي تشير إليها القاعدة، فالتعميم
هذا يتوافر بمجرد انتفاء التخصيص، أما الأمر الصادر بتعيين وزير أو بالعفو عن سجين
بذاته، أو بمنح الجنسية إلى شخص أو بعزل مدير أو موظف عام فكل هذه تعتبر أوامر لا
قواعد.
ويلاحظ أن
تعميم الخطاب يقتضي وضعه في صيغة مجردة وذلك لأن القاعدة يقصد بها أن تطبق على
مجموعة من الوقائع متماثلة أو على جميع الأشخاص الذين يوجدون في ظروف واحدة، ولما
كانت ظروف الأشخاص والوقائع تتغير فيما بينها وتتشكل بصور مختلفة لذلك كان لا بد
في صياغة القاعدة من الارتفاع عن التفاصيل والتجاوز عن بعض الظروف الثانوية التي
لا أثر لها فيما يراد ترتيبه على تلك الوقائع من نتائج قانونية والاكتفاء بالوقوف
عند الظروف الجوهرية التي اقتضت ترتيب تلك النتيجة، وبذلك فإن القاعدة تستطيع أن
تحكم فئة كبيرة من الوقائع المختلفة في التفاصيل، ويعتبر هذا الحكم الموحد قاعدة
عامة لأنه لا يسري على واقعة معينة بالذات بل على مجموعة من الوقائع تشترك في
اشتمالها على الظروف الجوهرية المشتركة ومثال ذلك وقائع القتل، فإنها تحدث وسائل
متنوعة وفي صور متباينة وظروف مختلفة وتتوافر في كل واحدة من هذه الوقائع مجموعة
من الظروف تميزها عن غيرها ومن هذه الظروف ما يجب أن يقال له وزن في تحديد الجزاء
ومنها ما يمكن التجاوز عنه في تعيين الجزاء، فمن الظروف الأولى ظرف القتل العمد أو
القتل الخطأ، فالعقوبة في القتل العمد تختلف اختلافا جذريا عن العقوبة في القتل
الخطأ.
وفي واقعة
القتل العمد ظرف الترصد وسبق الإصرار، أو كون القتل غير مقترن بهذا الظرف،
فالعقوبة تختلف باختلاف هذه الظروف فيشدد العقاب في حالة اقتران القتل العمد
بالسبق الإسرار أو الترصد ويخفف في حالة القتل العمد غير المقترن بهذه الظروف. أما
الظروف التي لا يقام لها وزن في تقدير الجزاء فهي كون القتل غير العمد قد وقع
نتيجة إهمال أو نتيجة خطأ أو نتيجة رعونة أو طيش إلى غير ذلك من الظروف.
3-القاعدة القانونية قاعدة ملزمة OBLIGATOIRE
ويشترط أخيرا
في القاعدة القانونية أن تكون ملزمة أي يكون لها جزاء ماديا
SANCTION
MATERIELLE—
يجعلها واجبة الإتباع ويحفز الناس على احترامها فيحقق بذلك فكرة النظام التي ينطوي
عليها كل قانون.
والجزاء هو
الأثر الذي يترتب بمقتضى القانون على مخالفة القاعدة القانونية ويختلف هذا الجزاء
باختلاف الأزمنة والعصور، ففي القديم كان الأعداء أو القتل يخول المعتدي عليه أو
أقارب القتيل حق الانتقام، فكان الانتقام الفردي أو الجماعي جزاءا قانونيا رادعا
من شأنه أن يحل الناس على احترام القاعدة القانونية التي تنهي عن القتل أو
الاعتداء.
ثم استبدال
الانتقام فيما بعد بحق الدية والحق في التعويض، وفي المسائل المدنية كان القانون
الروماني يخول للدائن حق الاستيلاء على شخص المدين الممتنع عن الوفاء وحبسه وبيعه.
ثم تطور هذا
الجزاء أصبح الوفاء قاصرا على أموال المدين وقد ظل الجزاء البدني معمولا به في
القانون الفرنسي حتى عام 1867 حيث ألغي الإكرام البدني في المعاملات المدنية
والتجارية إلا في بعض الأحوال الاستثنائية.
والقوانين
الحديثة ترتب على مخالفة القاعدة القانونية نشوء الحق في إزالة هذه المخالفة إذا
كانت الإزالة ممكنة، أو الحق في المطالبة بالتعويض إذا كانت الإزالة غير ممكنة
فإذا اعتدى شخص على ملك غيره أو بنى فيها بدون رضائه كان للمعتدي عليه الحق في
إخراج المعتدي من ملكه واسترداد أرضه المغتصبة أو إزالة البناء الذي أقامه
المعتدي، فضلا عن حق الدولة في توقيع العقوبة عليه، كذلك فغن القانون يلزم المدين
الممتنع عن الوفاء بدينه بأدائه عن طريق التنفيذ الجبري على أمواله وإذا ارتكب شخص
جريمة اعتداء عمد فإنه بالإضافة إلى العقوبة الجنائية التي توقع عليه تنشئ حقا
للجني عليه أو لأسرته في طلب التعويض المدني من الجاني، وقد يقتصر الجزاء على
إبطال العمل الذي يأتيه الشخص مخالفا للقانون، فمثلا يقع باطلا عقد بيع المواد
المخدرة وكذلك بيع مالا يملكه البائع.
المطلب الرابع:
الجزاء ركن جوهري من أركان القاعدة القانونية:
والجزاء بهذا
المعنى ركن جوهري من أركان القاعدة القانونية، لأن القاعدة القانونية لا يمكن أن
توجد بدون جزاء وإلا أصبحت مجرد قاعدة سلوك اجتماعية شأنها شأن قواعد الدين أو
الأخلاق أو قواعد مجاملات، لا يوجد ما يجعل الناس يتبعونها في علاقتهم إتباعا من
شأنه أو لإقامة النظام في المجتمع.
والجزاء هو
المميز الأساسي الذي يميز قاعدة القانون عن غيرها من قواعد السلوك الأخرى.
وقد أجمع
الفقهاء على أن الجزاء هو شرط لازم لقيام القاعدة القانونية، غير أن نفرا قليلا
منهم قد تشكك في ضرورة الجزاء وقرر أنه يكفي في وجود القاعدة القانونية شعور
الأغلبية الكبرى من الناس بأن ما توجه هذه القاعدة ضروري لنظام المجتمع، والملاحظ
أن بعض القوانين تبدو خالية من عنصر الجزاء ونسوق بعض الأمثلة:
1-
أن قواعد القانون الدولي العام ليس لها جزاء ماديا يلزم الدول باحترام هذه
القواعد، وقد اضطر معظم الفقهاء إلى التسليم بأن القانون الدولي العام قانون ناقص
لا يرتفع إلى مرتبة القانون بالمعنى الصحيح ولكن هذا القول مردود عليه بأن الجزاء
قد مر منذ نشأة المجتمعات الإنسانية بتكور كبير، فكان الجزاء متروكا للأفراد كما
سبق أن رأينا في مرحلة الانتقام الفردي، فكان الأفراد يوقعونه بأنفسهم دون أن يكون
الجزاء منظما أو موكلا إلى سلطة عليا تقوم بتوقيعه وهذا لا يمنع من القول بأن
قواعد القانون في هذه الفترة كانت قواعد صحيحة وتامة بالرغم من ذلك، وكذلك الحال
بالنسبة للمجتمع الدولي فإن القواعد القانونية تنشأ فيه عن طريق العرف الدولي
ويكون توقيع الجزاء على المعتدي متروكا للمعتدى عليه يوقعه بنفسه إذا استطاع لذلك
سبيلا، فالقانون الدولي العام قانون بالمعنى الصحيح وإن كان لم يصل بعد إلى الدور
الذي وصل إليه القانون الداخلي.
2-
قد يتشكك البعض أيضا في ضرورة الجزاء وقد يسوقون لذلك نص المادة ( ) من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على ما
يلي: يحق لكل شخص في حالات الجناية أو الجنحة المتلبس بها والمعاقب عليها بعقوبة
الحبس، ضبط الفاعل اقتياده إلى أقرب مأمور للضبط القضائي.
فقد يقول البعض
أن هذا النص لا شك أنه يتضمن قاعدة قانونية بدليل وجوده في صلب قانون الإجراءات
الجنائية، ولكنه نص لا يفرض جزاء يوقع على من يخالفه.
والرأي الصحيح
أن هذا النص في الواقع جزاء فقد اعتبر هذا النص حق من شاهد جريمة متلبسا بها في
ضبط الفاعل والقبض عليه حقا قانونيا يقابله
واجب قانوني على الجاني في الانصياع لمن يضبطه متلبس أو في حالة تلبس،
فالمشرع يعطي بهذا النص حماية قانونية لمن يقوم بالواجب القانوني المفروض عليه وهو
ضبط الجاني وتسليمه للجهات المختصة كما يفرض على الجاني احترام هذا الحق وعدم
التعرض لمن يباشره فهو يجعل قيام مواطن عادي بالقبض على الجاني عملا مشروعا مع أن
هذا العمل يعتبر غير مشروع في غير حالة التلبس فهو أمر متروك لرجال الضبط القضائي،
يترتب على ذلك أن الجاني إذا قاوم القبض بالقوة كان هو المعتدي ولا يجوز له أن
يحتج بقيام حالة الدفاع الشرعي عن نفسه، فجزاء هذه القاعدة ليس فقط في حماية
القانون لمن يقوم بالضبط والقبض على الجاني في حالة التلبس بل أيضا في العقوبات
التي توقع على الجاني إذا قاوم من يستعمل حق القبض عليه.
3-
قد يتشكك البعض أيضا في ضرورة الجزاء كشرط لوجود القاعدة القانونية بالقول
بأن الخوف من الجزاء المادي ليس هو وحده السبب في حمل الناس على إتباع القاعدة
القانونية فمثلا من يفي بدين عليه لا يقوم بذلك في الغالب خوفا من القانون وما
يفرضه من تنفيذ جبري بل محافظة على سمعته وعلى ثقة الناس به، وكذلك امتناع الناس
عن ارتكاب جرائم ليس سببه عند أغلبهم الخوف من القانون، وإنما هو وازع من التربية
والأخلاق.
والواقع أن هذا
القول فيه إغفال عن أن قاعدة القانون هي في الوقت ذاته قاعدة خلقية ولما كان
الجزاء الخلقي لا يكفي لحمل الناس على إتباع تلك القاعدة بشكل يتحقق معه النظام
المنشود، فإن الحاجة قد اقتضت أن يقترن الجزاء الخلقي بجزاء قانوني وإن كان كثير
من الناس يتبعون القاعدة القانونية متأثرين بالجزاء الخلقي الذي تفرضه دون النظر
إلى الجزاء القانوني، فإن هذا يدل على أنهم أناس خيرون تؤثر فيهم القواعد الخلقية
ولا يحتاجون في إتباعها إلى الجزاء القانوني.
على أن هذا لا
يمكن أن يؤخذ دليلا على أن الجزاء القانوني ليس عنصرا ضروريا في وجود القاعدة
القانونية، فلا بد من تقرير الجزاء، ولا مانع من أن يكون تطبيقه مرهونا بإخلال
بالقاعدة القانونية.
4- الجزاء قد يكون جنائيا أو مدنيا:
والجزاء قد
يكون جنائيا أو مدنيا:
والجزاء
الجنائي هو العقوبة التي توقع على من يخالف القاعدة القانونية، وهو إما أن يكون
بدنيا ( الحبس، السجن، الإعدام) أو ماليا (الغرامة)( المصادرة).
أما الجزاء
المدني فهو كل جزاء آخر يرتبه القانون على مخالفة القاعدة، كالتنفيذ الجبري وفرض
الالتزام بالتعويض على كل من يتسبب في إلحاق الضرر بالغير، وإبطال العقد الذي يتم
مراعاة الشروط القانونية المطلوبة.
هذه هي الخصائص
الأساسية التي تتميز بها قاعدة القانون.
خصائص الجزاء
1-
إن الجزاء المقترن بالقاعدة القانونية يتميز بخصائص معينة منها: أنه ذو
طابع مادي ملموس (1) إذ يوقع على الشخص الذي خالف حكم القاعدة القانونية أو ماله.
2-
انه جزاء يوقع حالا، أي بمجرد مخالفة القاعدة القانونية وهذا على عكس ما
تتميز به القاعدة الدينية التي تتميز بجزاء قد يكون عاجلا في الدنيا ثم بجزاء أخروي.
3-
أنه جزاء تلتزم بتوقيعه السلطة العامة لأنها تتمتع بسلطة تنفيذ، جبرا على
كل مخالف لحكم القاعدة القانونية باسم المجتمع وللمحافظة على النظام القائم، ولهذا
أطلق عليه اصطلاح الإجبار العام LA CONTRAITE PUBLQUE وبناءا عليه فلا يجوز للأفراد أن
يوقعوا الجزاء بأنفسهم إلا في حالات استثنائية، يستحيل فيها أن تتدخل السلطة
العامة لرد الاعتداء، وهي حالة ما إذا وقع الاعتداء على النفس أو المال وقام
المعتدى عليه بالدفاع عن نفسه أو ماله، ويطلق على هذه بحالة الدفاع الشرعي LA LEGITINE DEFANSE
التي تقرها القوانين الحديثة وتعفي صاحبها من المسؤولية المدنية والجنائية معا (
2).
إرسال تعليق