: أنواع القواعد القانونية
بما أن القانون
هو مجموعة من القواعد التي تحكم سلوك الأفراد في المجتمع فإن قواعده ليست كلها من
صنف واحد ولكنها تنقسم إلى تقسيمات متعددة منها:
1- من حيث شكل
صدورها:
تنقسم القواعد
من حيث شكل صدورها إلى قواعد مكتوبة وقواعد غير مكتوبة، فالقواعد المكتوبة هي
القواعد التشريعية أي القواعد التي تضعها السلطة المختصة بسن التشريع أما القواعد
غير المكتوبة هي التي يكون مصرها العرف.
وللتمييز
بينهما يجب الرجوع إلى الشكل الذي تصدر منه فإذا صدرت في الشكل الكتابي كانت قواعد
مكتوبة ( تشريعية) أما إذا لم تصد في الشكل الكتابي فإنها تكون قواعد غير مكتوبة (
عرفية)
كما تمتاز
القواعد المكتوبة بالوضوح والتحديد، أما القواعد غير المكتوبة فهي عبارة عن معنى يستقر
في الأذهان دون عبارات واضحة محدودة مما يؤدي إلى الاختلاف في الوقوف على حقيقتها
ومضمونها(1).
2- من حيث
الموضوع الذي تعالجه:
وتنقسم القواعد
القانونية من حيث الموضوع الذي تعالجه إلى قواعد موضوعية وقواعد شكلية، والقواعد
الموضوعية هي التي تحدد الحقوق والواجبات كالقواعد التي تبين مصادر الحقوق أو تلك
التي تمنع من ارتكاب الجرائم الخ...
أما القواعد
الشكلية فهي التي تبين الوسائل التي يمكن بها اقتضاء الحق، أي الإجراءات المتبعة
للحصول على الحق عن طريق تنظيم كيفية مباشرة الدعوى سواء كانت مدنية أو جزائية كما
تبين القواعد الشكلية اختصاصات الجهات القضائية، وإجراءات التحقيق وكيفية صدور
الحكم الخ...
إذن تبين
القواعد الشكلية الإجراءات والسبل التي تتخذ بقصد توقيع الجزاء على مخالفة القواعد
الموضوعية.
3- من حيث
القوة فيها:
تنقسم القواعد
القانونية من حيث قوتها إلى آمرة أو ناهبة وقواعد مفسرة أو مكملة، فالقواعد الآمرة
هي التي لا يجوز للأفراد مخالفتها بحيث تعتب بمثابة قيد على حرية الأفراد وعلى
نشاطهم بقصد إقامة النظام في المجتمع، لكن هذا القيد لا يكون مطلقا إذ القانون
يترك للأفراد في المجتمع قدرا من الحرية في تنظيم علاقاتهم وذلك عن طريق القواد
المكملة التي يجوز فيها الاتفاق على مخالفة حكمها(1).
- تقسيم قواعد
القانون من حيث قوتها الملزمة:
تحقق القاعدة
القانونية سلوك الفرد على نحو يحقق مصلحة المجموع، ولا يتسنى تحقيق هذا الغرض إلا
إذا كان الفرد ملزما بإتباعها، فتنفذ عليه قشرا عند الضرورة، فالقاعدة القانونية
كما رأينا هي قاعدة ملزمة بمعنى أنه لا يجوز للأفراد مخالفتها أو إعفاء أنفسهم من
الانصياع لحكمها ولو اتفق أصحاب الشأن على عكس مضمونها، وبهذا المعنى يمكن أن يقال
أن القاعدة القانونية قاعدة آمرة لأنها ثمن مصالح الجماعة بأسرها ولا يستطيع
الأفراد التهرب منها في تنظيمهم لعلاقاتهم.
وإذا انحصرت
رسالة القاعدة القانونية في تحقيق مصالح الجماعة فإن المشرع في دائرة المعاملات
الفردية، وضع مجموعة من القواعد القانونية لتنظيم العلاقات الاجتماعية التي لا يهم
الجماعة أمر تنظيمها على نحو خاص، وبالتالي لا يمس مصالحها أن تنظم على نحو وقد
وضع المشرع هذه القواعد أخذا بيد الأفراد في تنظيم علاقات قد لا يحسنون أو
يستطيعون تنظيمها أما إذا قام الأفراد في نطاق هذه العلاقات التي لا تمس مصالح
الجماعة بتنظيم تصرفاتهم على النحو الذي يرون صالحا لهم، فقدت هذه القواعد حكمة
تطبيقها ويتعين الأخذ بما اتفقوا عليه خاصا بهم، فالغرض الذي استهدفه المشرع من
وضع هذه المجموعة من القواعد هو تحقيق مصلحة الأفراد بتنظيم تفصيلات لعلاقاتهم
الخاصة التي قلما يعنى الأفراد بتنظيمها فيقع على عاتق القضاء عبء تفسيرها وقد
تختلف أحكام المحاكم بشأنها مما يؤدي إلى إلقاء الاضطراب في العلاقات القانونية
وفقدان الثقة في المعاملات المالية لذلك كان طبيعيا أن يستطيع الأفراد الاستقلال
بتنظيم هذه العلاقات على نحو يحقق مصالحهم، وبالتالي تطبيق القواعد القانونية التي
لم يضعها المشرع إلا لتحقيق مصلحة الأفراد ولكفالة استقرار المعاملات، ويسمى هذا
النوع من القواعد المقررة أو المفسرة أو المكملة لإرادة المتعاقدين.
القاعدة الآمرة
أو الناهية:
هي القاعدة
التي لا يجوز للأفراد أن يتفقا على مخالفتها لأنها تمثل مصلحة عامة للجماعة وتعتبر
نابعة عن إرادة الجماعة لتنظيم علاقة قانونية على وجه معين يتفق مع مصلحتها، ويطلق
عليها آمرة لأنها تتضمن أمرا كما يطلق عليها أيضا القاعدة الناهية لأنها قد تتضمن
نهيا لا مناص للأفراد من طاعته، فالقاعدة التي تلزم رب العمل بالتعويض للعامل إذا
أنهى العقد تعسفا منه قاعدة آمرة لا يجوز الاتفاق وقت إبرام العقد على الإعفاء من
التعويض عن هذا الإنهاء التعسفي، كذلك نصوص قانون العمل والقانون الإداري والجنائي
وقوانين المالية العامة والقانون الدستوري وفي القانون المدني أيضا نجده يشتمل على
قواعد آمرة وناهية: مثل تحديد سعر الفائدة كذلك التقادم فلا يجوز النزول عن التقادم
قبل ثبوت الحق فيه أو الاتفاق على مدد أخرى تختلف عن المدد التي حددها القانون.
كذلك فإن
القواعد الشكلية مثل قوانين تنظيم القضاء وقانون المرافعات وقانون الإجراءات
الجنائية هي قواعد آمرة.
مطلب 2:القواعد
الآمرة والقواعد المفسرة
إذن من حيث
القوة الملزمة هناك نوعان من القواعد:
1-
القواعد الآمرة والناهية: ويمكن تعريفها بأنها هي التي تأمر بسلوك معين وتنهي عنه
بحيث لا يجوز للأفراد الاتفاق على خلاف الحكم الذي تقرره ومثالها القواعد التي
تنهى عن القتل والسرقة والتزوير أو القواعد التي تأمر بأداء الخدمة الوطنية أو بدفع
الضرائب الخ...
2-
أما القاعدة المكملة: هي تلك التي تنظم سلوك الأفراد على نحو معين ولكن يجوز
للأفراد الخروج عن حكمها أي يجوز للأفراد الاتفاق على ما يخالف حكمها وإذا ما
اتفقا على حكمها كان اتفاقهم صحيحا، أما إذا سكتوا ولم يتفقا على ما يخالف حكمها
كان الاتفاق يسري في حقهم(1) ومن
أمثلة القواعد المكملة ما قضت به المادة 388 من القانون المدني الجزائي: يكون ثمن
البيع مستحقا في الوقت الذي يقع فيه تسليم المبيع ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقض
بخلاف ذلك.
من خلال هذا
النص يتضح أن المشرع قد ربط بين وقت الوفاء بالثمن ووقت تسليم البيع،فجعل الوفاء
بالثمن مستحقا في الوقت الذي يسلم فيه البيع حتى تنفذ الالتزامات المتقابلة في وقت
واحد، غير أن هذا الحكم يكون ملزما للمتعاقدين ما لم يوجد اتفاق بينهما أو عرف
يقضي بغير ذلك، فقد يتفق المتعاقدان على أن يدفع الثمن قبل أو بعد تسليم البيع وقد
يقض العرف بأحكام أخرى يتعين إتباعها، أما إذا سكت المتعاقدان عن ذكر ما يخالف هذا
الحكم ولم يكون هناك عرف يقضي بغيره أصبح هذا الحكم ملزما وواجب التطبيق لأنه يكمل
ما نقص في اتفاقهما ومن هنا جاءت تسمية القاعدة المكملة أي أنها تكمل إرادة
المتعاقدين، أما تسميتها بالقاعدة المفسرة فمعناه أنه إذا سكت الأفراد عن الاتفاق
على حكم مخالف فإن هذا السكوت يفسر بمثابة انصراف نية المتعاقدين إلى تطبيق حكم
القاعدة(2).
وقد يثار
التساؤل حول عنصر الإلزام في القاعدة المكملة فهل منح الأفراد حق مخالفة حكمها يدل
على أنها قاعدة لا تتمتع بخاصية الإلزام؟
سبق أن رأينا
أنه من خصائص القاعدة القانونية أنها ملزمة سواء كانت آمرة أو مفسرة، ولكن كيف
يمكن التوفيق بين القول بأنها قاعدة ملزمة في الوقت ذاته وبين استطاعة الأفراد
مخالفة حكمها.
يرى جانب من
الفقه أن القواعد المكملة تمر بمرحلتين(1):
المرحلة
الأولى: هي المرحلة
السابقة على الاتفاق بين الأفراد فتكون القواعد فيها اختيارية أي غير ملزمة
للأفراد بحيث يجوز لهم أن يتبعوا حكمها أو يخالفوه حسبما تقضي به مصلحتهم.
المرحلة
الثانية: فهي التي تبدأ
من وقت اتفاق الأفراد دون أن يستعملوا حقهم في مخالفتهم فتصبح هذه القواعد ملزمة.
انتقد هذا
الرأي بأن القاعدة القانونية لا تعتبر ملزمة إذا انتفت عنها خاصية "
الإلزام"، فإذا قلنا أن القاعدة المكملة غير ملزمة قبل اتفاق الأفراد على
خلافها فمعنى ننفي عنها الصفة القانونية في الفترة السابقة على الاتفاق، هذا من
جهة ومن جهة أخرى فإن القاعدة تبقى كما هي لا تتغير.
إذن كيف يمكن
القول بأنها تكون غير ملزمة ابتداء قبل الاتفاق ثم تصبح ملزمة انتهاء بعد الاتفاق
بين الطرفين على العمل بها؟
الواقع أن
القواعد المكملة قواعد ملزمة من وقت نشوئها مثلها مثل القواعد الآمرة، ولكن لا
تطبق القاعدة القانونية سواء كانت آمرة أو مكملة إلا إذا توافرت الشروط اللازمة
لتطبيقها ومن بين شروط تطبيق القاعدة المكملة عدم اتفاق الأفراد على مخالفتها
امتنع تطبيقها لا لأنها قاعدة غير ملزمة ولكن لأن شرطا من شروط تطبيقها قد تخلف.
إرسال تعليق