الأحزاب السياسية قبل حرب التحرير الوطنية
أن المقاومة السياسية في الجزائر ليست وليدة هذا القرن، بل عرفت منذ دخول الإستعمار الفرنسي حيث حاول إبتداءا من سنة 1830. بعض الأعيان ومن بينهم حمدان خوجة، الدفاع عن مصالح الجزائريين والتفاوض مع السلطات الفرنسية سواء بالجزائر العاصمة أو بباريس وقدموا العرائض العديدة وطالبوا بأن " يحكم الشعب الجزائري نفسه بنفسه " وإعادة القومية الجزائرية من جديد وإقامة حكومة حرة وتحرير دستور يتفق وتقاليدهم وعاداتهم "
فالملاحظ أن فكرة الدستور وفكرة القومية ومبدأ حكم الشعب نفسه بنفسه هي مفاهيم كانت معروفة لدى الجزائريين قبل دخول فرنسا ، وهذا الطموح استمر ولم ينقطع أبدا بعد الهزائم العسكرية وفشل الكثير من الثورات وانتهت المقاومة السياسية إلى تكوين الأحزاب في إطار الشرعية الفرنسية وبأساليب النضال الأوروبية ولذا فقد ما تم التأثير به هو شكل التعبير عن تلك المفاهيم، من خلال الأحزاب ، وطرق تنظيمها وأساليب نشاطها ، ووضع برامج سياسية وتحديد وسائل لتنفيذها .
ومن المعروف أن أول تنظيم سياسي جزائري هو نجم شمال إفريقيا وبالتالي فإن هذه المرحلة تبدأ من العشرينات حتى بداية الثورة وهي بجد ذاتها تقسم عادة إلى طورين متميزين تفصل بينهما الحرب العالمية الثانية وعليه سندرس كمرحلة أولى الحركة الوطنية من سنة 1919 إلى سنة 1939 وكمرحلة ثانية من الحرب العالمية الثانية حتى بداية الثورة (1940-1954) .
الأحزاب السياسية الجزائرية ( 1919- 1939 )
يجمع المؤرخون عادة على تقسيم الأحزاب السياسية التي نشأت في المرحلة الممتدة من 1919 إلى 1939 إلى تيارين أساسيين بالنظر إلى موقفها الصريح من مسألة الإستقلال الوطني .
أولا : التيار الإستقلالي : الذي فضل الموجهة مع الإستعمار الفرنسي وسلك أسلوب الإتهام والتحدي أكثر من أسلوب الحوار وقد قد مثله نجم شمال إفريقيا الذي تحول فيما بعد إلى حزب الشعب الجزائري ثم حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية ويمكن القول إنه تيار إستقلالي منذ بدايته .
ثانيا : التيار الإصلاحي : الذي عمل على تجنب المواجهة والتصادم مع الإستعمار وبحث عن تسوية على أمل حدوث تغير تدريجي في وضع الجزائريين وغالبا ما يكون لزعمائه حقوق مكتسبة ومصالح تدعوه للحذر وهو يضم عدة تشكيلات أو إتجاهات وهي :
• الإتجاه الديني الذي مثلته جمعية العلماء المسلمين .
• الإتجاه اللائكي أو ما يسمى بالعلمانية ، الذي مثله النواب .
• الإتجاه الماركسي الذي مثله الحزب الشيوعي الجزائري.
لكن رغم سلامة و موضوعية هذا التقسيم على العموم ، فإن التيار الاستقلالي قد شهد في بعض مراحل مساره التاريخي فترات إصلاحية سواء لأسباب تاكتيكية – حزب الشعب في مرحلته الأولى – أو لأسباب اجتماعية بنيوية عميقة – حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية – إلى جانب ذلك ينبغي التنبيه إلى أن كل هذه التشكيلات ، رغم الإختلافات البينة و الجوهرية بينها ، تنتسب كلها إلى الأمير خالد الذي بقي برنامجه السياسي يشكل الخطوط العريضة و الخلفية الأساسية لمختلف برامجها و خاصة بالنسبة للنواب و جمعية العلماء ، الشيء الذي تجلى في ميثاق المطالب الذي أسفر عنه المؤتمر الإسلامي سنة 1936 .
لقد إستطاع الأمير خالد أن يبرز في المجال السياسي إبتداءا من عام 1919 كلسان حال حركة الشبان الجزائريين ، وتتمثل في ظهور نخبة من الجزائريين المكونين في المدارس الفرنسية والمتشبعين بالثقافة والقيم الفرنسية، فطالبوا بالمساواة في المركز القانوني بين المسلمين والفرنسيين نظير تجنيدهم الإجباري غير أن فرنسا لم تستجب لمطالبهم الشيء الذي أدى إلى إنقسامهم إلى إتجاهين:
الأول ينادي بالتجنس مع التخلي عن نظام الأحوال الشخصية الإسلامي، أما الثاني فنادى بحق المواطنة والتمثيل في البرلمان مع بقاء النظام الأحوال الشخصية الإسلامي تأثرا بإرادة الجماهير المسلمة وقد كان الأمير خالد هو المعبر عن هذا الإتجاه ، حيث كان برنامجه السياسي رغم طابعه الإصلاحي وبساطته يعد برنامجا طموحا آنذاك بسبب الظروف التي كانت محيطة به.
وقد جاء هذا البرنامج على مرحلتين:
الأولى في إطار جمعية " الأخوة الجزائرية " التي أنشأها إدراكا منه لضرورة تنظيم الشعب وتوحيده وقد تمت المطالبة ب :
حق تمثيل الجزائريين في البرلمان الفرنسي ورفع نسبة المسلمين في المجالس المنتخبة إلى الخمسين (2/5) .
• الإلغاء التام والنهائي للقوانين الإستثنائية .
• نشر التعليم .
• إستفادة الأهالي من الأراضي الفلاحية .
• فتح الطرق والسكك الحديدية ... إلخ .
أما في المرحلة الثانية فقد قام بإكمال البرنامج من خلال الرسالة التي وجهها إلى الرئيس الفرنسي (هيريو ) في جويلية 1924 إذ أضاف إلى ما سبق ذكره المطالب التالية :
• المساواة أمام الخدمة العسكرية .
• الحق في الوصول إلى كافة الوظائف والرتب العسكرية والمدنية بدون تمييز.
• تطبيق كافة القوانين الإجتماعية.
• حرية الصحافة والجمعيات وإقامة الشعائر الدينية.
• فصل الدين عن الدولة.
• حق تنقل الأهالي إلى فرنسا
والواقع أن هذا البرنامج قد أملته الظروف والجو السياسي المتمثل في حتمية العمل في إطار الشرعية الفرنسية بالوسائل المتاحة وبالتالي فهو لا يعبر عن حقيقة أفكار الأمير خالد السياسية .
فقد بينت نشاطاته الأخرى كالصحافة والخطب والمحاضرات خاصة بعد سنة 1924 في فرنسا رفضه التام للتجنس والإندماج وتمسكه المطلق بالمقومات الإسلامية للشخصية الجزائرية وقد عمل بنشاطه الغزير على تحديد أيديولوجية وطنية بلمسات متتالية وتصور الكفاح الثوري باعتباره الطريق الوحيد الممكن ،للتخلص من الإستعمار الفرنسي ،ومن هنا يتجلى لنا تصوره لحل مشكلة السلطة وكيفية تنظيمها ،حيث يكمن هذا التصور في الحضارة الإسلامية وما يضعه القرآن الكريم والسنة النبوية من مبادئ بخصوصها.
إلا أن مختلف التشكيلات السياسية ،ورغم انتمائها للأمير وأخذ كل منها من برنامجه المتنوع والمتعدد الجوانب فقد اختلفت عنه كثيرا في موضوع تنظيم السلطة ،وهذا ما سنراه من خلال دراستنا للتيار الاستقلالي، والتيار الإصلاحي .
أولا-التيار الإستقلالي: وتجلى في جمعية نجم شمال إفريقيا،ثم حزب الشعب الجزائري.
1) نجم شمال إفريقيا:
بدأ نجم شمال إفريقيا ينشأ كجمعية تعمل للدفاع عن مصالح مهاجري المغرب العربي في سنة 1924، ولم يظهر إلى الوجود إلا في مارس 1926 ، تزعمه في بداية الأمر الحاج علي عبد القادر كما ترأسه شرفيا الأمير خالد الذي كان له دورا كبيرا في نشأته عن طريق توعية وتجنيد العمال المهاجرين بالمحاضرات والخطب وابتداء من جوان 1926 ترأسه مصالي الحاج.
إن هذا التيار كان نتيجة الهجرة المغربية المكونة أساسا من فلاحين على فرنسا قصد العمل بعد الحرب العالمية الأولى نتيجة الظروف القاسية التي عرفتها الجزائر آنذاك ، وكون هذه الهجرة ذات طبيعة عمالية جعل الحركة الشيوعية الدولية تقوم بدور مساعد في نشأة النجم ، الذي كان أحد فروع الجمعية الدولية الشيوعية الثالثة ( الكومنترن ) بموجب المادة 01 من قانونه الأساسي ، ولكن سرعان ما استقال مصالي الحاج من هذا الحزب لأنه لا يهتم بالقضية الوطنية بالإضافة لمحاربته الحركة الإسلامية ، وفكرة تضامن الشعوب المسلمة على أساس ديني حيث كان النجم في بدايته مشبعا ببرنامج الأمير خالد ، ثم شهد تحولا مهما إبتداءا من سنة 1927 حيث حدد مصالي المطالب الأساسية للنجم في الخطاب الذي ألقاه في مؤتمر بر وكسل المناهض للإستعمار وتتمثل في :
• إستقلال الجزائر .
• إنشاء برلمان جزائري عن طريق الإقتراع العام .
• إنشاء مجالس بلدية منتخبة .
• مصادرة الأملاك الفلاحية الكبرى التي استحوذ عليها الإقطاعيون والشركات الرأسمالية وإعادة توزيعها على الفلاحين المحرومين .
• عودة الأراضي والغابات التي استحوذت عليها الدولة الفرنسية إلى الدولة الجزائرية
وقد اكتمل هذا البرنامج بصفة نهائية في ماي 1933 على إثر جمعية عامة تقرر فيها عدم إمكانية إزدواجية الإنتماء إلى النجم وإلى الحزب الشيوعي الفرنسي وبهذا أصبح النجم حزبا سياسيا جزائريا بعد إلتحاق المهاجرين المغاربة والتونسيين بأحزابه الوطنية منذ 1930 ، وقد تضمن البرنامج الجديد إضافة إلى ما سبق الأفكار الرئيسية التالية :
• إنتخاب مجلس تأسيسي عن طريق الإقتراع العام .
• تطبيق مبدأ الإقتراع العام على كل المستويات وقابلية كل سكان الجزائر للترشح لكل المجالس وممارسة حق الإنتخاب .
• تكوين جيش وطني وحكومة وطنية ثورية .
تملك الدولة الجزائرية بشكل تام للبنوك والموانئ والسكك الحديدية والمرافق العمومية .
• اللغة العربية هي اللغة الرسمية.
• إعتراف الدولة الجزائرية بالحق النقابي وحق الجمعيات بما في ذلك الأحزاب، وحق الإضراب
• إلتزام الدولة الجزائرية بوضع القوانين الإجتماعية ومساعدة الفلاحين بأشكال مختلفة .
عاد هذا الحزب إلى الجزائر سنة 1935 وانتهي الصراع بينه وبين السلطات الفرنسية بحله في جانفي 1937 .
2) حزب الشعب الجزائري:
قام مصالي الحاج وقادى النجم بإنشاء حزب الشعب الجزائري وتعود ظروف ذلك إلى أن مختلف القوى والأحزاب السياسية المتواجدة في الجزائر عقدت في جوان 1936 بالجزائر العاصمة المؤتمر الإسلامي الذي شكل تجمعا سياسيا بينها، إستمر حتى سنة 1938 ورفضت – خاصة الحزب الشيوعي الجزائري – مشاركة النجم فيه تطرفه وطبيعته الإنفصالية وأسفر هذا المؤتمر على عدة توصيات ووثيقة هامة تدعى وثيقة المطالب التي تضمنت مطالب سياسية .
كإلحاق الجزائر بفرنسا مباشرة مع إلغاء كافة البنى والهياكل السياسية والإدارية الخاصة بالجزائر، مثل المندوبيات المالية والولاية العامة (الحكومة) ، وتوحيد هيئة الناخبين والعمل بالإستفتاء العام والتمثيل في البرلمان .كما طالب هذا المؤتمر بتطبيق مشروع بلوم –فيوليت
الذي استنكره النجم وكان ذلك في خطاب مصالي الذي ألقاه أمام تجمع جماهيري ضخم نظمه المؤتمر الإسلامي في الملعب البلدي بالجزائر في 02 أوت 1936 .
ومنذ الحين اصبح برنامج الحزب قوة سياسية ضاربة في المهجر والجزائر حتى انتهى الأمر حله ولهذا السبب أنشئ حزب جديد أطلقت عليه تسمية حزب الشعب الجزائري الذي مر بمرحلتين :
1- المرحلة الشرعية : منذ إنشاءه حتى حله من طرف السلطات الفرنسية مع بداية الحرب العالمية الثانية في 26 سبتمبر 1939وتميزت بسياسة إنتخابية معتدلة ذات طابع إصلاحي .
2- المرحلة السرية : حيث لم يؤدي حله إلى انفكاكه وتشتته ، بل استمر موجودا فعليا ودعم تنظيمه وصفوفه وإزداد قوة وفعالية خلال فترة الحرب وما بعدها ،تميزت بنضال مستميت من أجل اقناع الجماهير بحتمية تحقيق الإستقلال كغاية في حد ذاتها .
تلك خاصية أساسية عبرت عن الإقتراب من التشكيلات الأخرى وهناك خاصية ثانية متمثلة في رغبة أن تكون هذه التشكيلة تشكيلة كل الشعب الجزائري وبالتالي يصبح هو المعبر والمترجم الحقيقي والفعلي الوحيد لإرادة كل الشعب الجزائري بمختلف فئاته وشرائحه وبهذا بدأ يظهر الميل إلى الوحدوية السياسية.
واستصغار القوى السياسية الأخرى وهو اتجاه استمر في التطور تدريجيا إلى أن أصبح أحد الخصائص , بل الخاصية الرئيسية في الشعبوية التي ميزت الفكر السياسي و الدستوري الجزائري خلال كامل مراحل تطوره
بدا الحزب يكثر في خطابه السياسي من استعمال لغة دينية مثل اعتباره الإدماج الذي دعى إليه مشروع فيوليت بلوم كفرا وخروجا عن الجماعة الإسلامية وبدا يبتعد عن إطار التحليل الماركسي ليحدد موقفه التنازعي من الحزب الشيوعي الجزائري و ليقترب من واقع المجتمع الجزائري .
أدى هذا التحول كذلك إلى تمحور أيديولوجية الحزب حول فكرة جوهرية وهي ان الصراع في الجزائر قائم بين الاستعماريين والمستعمرين , وليس بين الاستغلالين و المستغلين مهما كان انتماء الفئتين .
هذا ما جعل الحزب يبتعد عن الايديولوجية العمالية التى ميزت النجم ويرفع شعار * لا صراع اجناس ولا صراع طبقات .
وبالتالي تم رفض مبدأ صراع الطبقات وبذالك اكتملت عناصر اللوحة الايديولوجية للحزب الشيء الذي استمر قائما في الجزائر الى غاية ميثاق 1986 .
لقد تغيرت , نتيجة هذه المعطيات الخلفية الفكرية لبرنامج ونشاط الحزب الذي يمكن تلخيصه في الجملة التي جائت في تصريح المكتب السياسي المنشور بجريدة الامة في: 1937.04.10 :
- لا اندماج ولا انفصال وانما تحرر أي رقي اجتماعي وسياسي في ايطار الكيان الفرنسي حيث على فرنسا ان تعترف بذاتية الشعب الجزائري وتزوده بدستور وبرلمان وتكون الاغلبية فيه للمسلمين
والواقع ان المضمون الذي يعطيه الحزب لمفهوم التحرر لا ينسجم مع مبدأ ( عدم الانفصال )
بل هو مطالبة بالاستقلال بطريقة غير مباشرة و يمكن تلخيص التصورات الدستورية في مايلي:
يمارس الشعب السيادة من خلال سلطة ديمقراطية تتمثل في حكومة (مسؤولة امام برلمان منتخب عن طريق الاقتراع العام و ليس من
• و لذا يجب انشاء مجلس جزائري منتخب من طرف الجميع دون مراعاة لعنصرالدين و اللغة .
وقد بين مصالي ان الحريات الديمقراطية التي يكافح من اجلها كل ( الجمهوريين ) ، ستترجم
في الجزائر بالاقتراع العام في كل المجالس الجزائرية وعليه سيكون اساس السلطة هو المجالس المنتخبة وسيكون شكل الحكم جمهوريا و تتمثل المبادىء الجمهورية في (الحرية , المساواة ,الاخوة ) وفي سنة 1938 نشر الحزب في جريدة الامة برنامجا كاملا في جميع الميادين ومما جاء فيه على الصعيد السياسي:
-الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية و التنفيذية و التشريعية .
.الاقرار بكل الحريات الديمقراطية مثل حرية الصحافة و انشاء الجمعيات المختلفة والتفكير والنقابة والاجتماع .....الخ.
ثانيا- التيار الاصلاحي: ويضم المنتخبون او النواب المسلمون , جمعية العلماء ,الحزب الشيوعي.
1) النواب المسلمون: هذه التشكيلة السياسية هي امتداد طبيعي لحركة الشبان الجزائريين بجناحيها,لكن النواب ، بعكس الشبان ؛ انشئوا " كونفدرالية المنتخبين الجزائريين المسلمين " المكونة من ثلاث فدراليات (قسنطينة ، الجزائر ؛ وهران) .
من الناحية القانونية تعتبر الكونفدرالية عبارة عن نادي مغلق؛ أي جمعية عادية و ليست حزبا سياسيا، حيث تضم المنتخبين فقط ، و يعدون نتائج جهاز التعليم الفرنسي و الفكر اللائكي والجمهوري و هذا ما دعاهم الى السعي نحو تحقيق رقي اجتماعي فأرادوا الحصول على نفس المركز الاجتماعي و السياسي للمستعمر "المواطنة" .
إلا أن قبول بعضهم بالتجنس و التخلي عن نظام الأحوال الشخصية الإسلامية ورفض ذلك من الأغلبية أدى إلى تفكيك الكونفدرالية وتشتتها ، فبرزت سنة 1934 فدرالية قسنطينة بزعامة - الطيب بن جلول -و نائبه- فرحات عباس -و استمرت التشكيلة متمثلة في هذه الفدرالية التي دعمت من جمعية العلماء .
تميزت الحركة بالتصميم على العمل في إطار الشرعية الفرنسية عن طريق الانتخابات "و كانت الانتخابات تعني بالنسبة لهم ضمان مراكزهم الخاصة أولا عن طريق ضمان حلقة من الزبائن الدائمين يطالبون لهم ببعض الامتيازات ,أو الاعتراف ببعض الحقوق ، أو تنصيب شخص ما في منصب ما أو التدخل من اجل دراسة ملف أو حل مشكلة معينة ...الخ تلك هي اهتمامات النائب هذا ما جعل الانتخابات وسيلة لتدعيم مركز النائب وليس لتجنيد الناخبين ، وهكذا " أكد النواب الطابع الفرنسي النهائي للجزائر و اكثروا من ملتمسات الولاء وإرسال الوفود إلى باريس " مما جعلهم بعيدين كل البعد عن الفكرة الوطنية أو التفكير في استقلال الجزائر ، و وضعوا أنفسهم خارج الجماهير الجزائرية .
فكان برنامجهم تواصلا لبرنامج حركة الشبان، قائمة من المطالب الإصلاحية الاقتصادية و الاجتماعية والإدارية والثقافية شبيهة في خطوطها العريضة ببرنامج الأمير خالد ، إلى جانب انهم ركزوا على المطالبة بالإدماج وإلحاق الجزائر بفرنسا مباشرة.
وبما أن فرنسا لم تكن تستجيب لهم، فشغلهم ذلك عن التفكير في أوضاع الجماهير التي لم ينتبهوا إلى أهميتها في العمل السياسي إلا بعد دخول النجم ثم حزب الشعب الجزائري و بعد المؤتمر الإسلامي و مشاركتهم فيه ثم فشل مشروع بلوم –فيوليت –الذي كانت المطالبة بتطبيقه شغلهم الشاغل ، بعد هذه العوامل ،أدرك فرحات عباس أهمية و دور الجماهير فبدأ يفكر منذ سنة 1937 في إنشاء حزب سياسي جماهيري يتجاوز من خلاله شكل النضال عن طريق الجمعيات القصد منه تغير أسلوب العمل و ليس الإتيان ببرنامج جديد .
وفي أواخر جويلية 1938 انشأ حزبا تحت اسم " الاتحاد الشعبي الجزائري للكفاح من اجل حقوق الإنسان و المواطن " وقد تحدد برنامج الحزب بإعلان سنة 1789 وما يتضمنه من تصورات دستورية , وكان شعار الحزب " من الشعب و إلى الشعب" .
ورغم ذلك شكل هذا الحزب نقطة تحول في تفكير فرحات عباس و جزء من النواب ، حيث دعا إلى ضرورة حصول الجزائر على دستور" ديمقراطي إنساني " ثم صرح " نحن نريد ان نربط الجزائر بالديمقراطية الفرنسية لكن عليها أن تحتفظ بمعالم شخصيتها الخاصة بلغتها و تقاليدها و عاداتها ....أن الالتحاق بفرنسا لا يعني الامتزاج ، بذلك بدأت تظهر عند فرحات عباس بذور الفكر الفدرالي و الذي تجلى بوضوح بعد الحرب العالمية الثانية التي بمجرد اندلاعها ، انتهت حياة الحزب الإتحاد الشعبي الذي لم تتقبله الجماهير وبقي مجرد حزب إطارات .
تشكيلة النوب لم تقدم شيئا ملحوظا ومميزا للجزائر في المجال الدستوري ومجال تنظيم السلطة ، لكن معتقداتهم اللبرالية وتعلقهم بالدستورالية والمبادىء الجمهورية الفرنسية ، سيكون لها تأثيرها في التطور الدستوري بالجزائر سواء قبل الثورة أو أثناءها أو بعدها .
) جمعة العلماء المسلمين:
تعود فكرة إنشاءها إلى عبد الحميد بن باديس الذي نادى بتكوين حزب ديني محض منذ نوفبر 1925 بعد إنشاءه لمجلة " المنفذ " سنة 1924 ، ولذا فإن الإصلاح الديني في الجزائر أسبق في الوجود من الجمعية والتي تأسست في 05 ماي 1931 ترأسها ابن باديس حتى وفاته في 1945 ثم تلاه الشيخ البشير الإبراهيمي حتى سنة 1956 .
وكان السبب المباشر لإنشائها إحتفال فرنسا بالذكرى المئوية للإحتلال وما صاحب ذلك من طمس المساجد وإهانة للمقومات الإسلامية وإنكار الأمة الجزائرية وتاريخها ، والقرار الصادر في 08 أوت 1935 عن مجلس الدولة الفرنسي الذي جاء بعد إنشاء الجمعية والذي أعتبر اللغة العربية لغة أجنبية في الجزائر .
كما أن الجمعية أعلنت طابعها غير سياسي حيث نصت المادة 03 من قانونها الأساسي على إمتناعها عن أية ممارسة سياسية ، وحددت أهدافها في إحياء الدين وتطهيره من البدع والخرافات والشوائب المختلفة ومحاربة الإلحاد والتبشير والشعوذة وبعث دراسة القرآن والسنة وإحياء الروح القومية ، إلا أن الشعار الذي أخذت به الإسلام ديني والعربية لغتي والجزائر وطني شكل برنامجا دينيا وثقافيا وسياسيا وبذلك رمى بها في أحضان العمل السياسي .
ذلك أن وسائل وأسباب عملها، المتمثلة في المحاضرات والخطب والصحافة والتعليم وإنشاء النوادي الثقافية و الكشفية ، كانت تشكل بعثا فعالا للروح الوطنية الجزائرية وبالتالي عملا سياسيا أشد فعالية من غيره وأعظم وأخطر على الوجود الفرنسي، حيث أدى إلى رفع قدرات ومكنات الجزائريين في مقاومة الإستعمار ومن ثم إضعاف قدرات فرنسا في المسخ والطمس ، ولذا كانت مسألة تكوين الإنسان في نظرها المطالبة بالإستقلال الذي سيأتي كنتيجة لذلك التكوين .
وقد تصرفت الجمعية كحزب سياسي عندما دعت إلى عقد المؤتمر الإسلامي وشاركت فيه وهو أكبر وأهم تجمع سياسي عرفته الجزائر قبل الحرب العالمي الثانية، وقد تضمن ميثاق المطالب المنبثق عن المؤتمر برنامجا إصلاحيا مطولا في مختلف المجالات، جاء فيه، مما يهم الجمعية .
• إلحاق الجزائر بفرنسا .
• فصل الدين عن الدولة .
• الحفاظ على الحالة الشخصية الإسلامية .
• إلى جانب ذلك طالبت الجمعية بتطبيق مشروع " بلوم – فيوليت " .
ومن أبرز النشاط السياسي للجمعية محاربتها للتجنس بعدة فتاوى تحرمه وتعتبره كفرا منها تلك التي صدرت عن ابن باديس التي كان لها أثرها في غلق أبواب الإدماج أو الإمتزاج الإجتماعي وإذابة الأمة الجزائرية في المجتمع الفرنسي .
فرغم قبول الجمعية بفكرة إلحاق الجزائر بفرنسا ومنح حق المواطنة لبعض الجزائريين إلا أنها حاربت بقوة الإدماج وكل ما يمس الهوية الجزائرية ومقوماتها العربية الإسلامية .
وعلى الرغم من هذا فإن الجمعية لم تكن تشكل كيانا سياسيا موحدا في مجال نشاطها السياسي فقد ضمت منذ إنشائها 72 عالما مسلما من إتجاهات دينية متناقضة ومتضاربة حيث كان فيهم المصلحون التقدميون والمصلحون الرجعيون ، إلى غير ذلك من الإنتماءات والمعتقدات والتصورات السياسية وكونهم ورثاء فكرتين للأفغاني محمد عبده لم يمنع ورثهم للإختلافات الفكرية المعروفة بين قادة النهضة الإسلامية الشيء الذي أسفر عن تفاوت أو تضارب في المواقف من شيخ إلى آخر في كثير من المسائل السياسية خلال تلك المرحلة ، إزداد عمقا بفعل عوامل إجتماعية وإقتصادية تحيط بكل منهم
ومن أهم مؤسسي الجمعية ابن باديس الذي كانت كتاباته في الأمور السياسية ظريفة وبمناسبات معينة وكثيرا ما تحكمت الظروف المحيطة به في آرائه ومواقفه ويمكن القول أن تفكيره توفيقيا حيث أنه لجأ إلى مضمون مزدوج لمفهوم القومية الجنسية السياسية .
فالجنسية القومية هي : " مجموعة المقومات والمميزات التي يتمتع بها شعب معين وتشتمل على اللغة التي يعبر بها ويتأدب بآدابها والعقدة التي يبنى حياته على أساسها والذكريات التاريخية التي يعيش عليها وينظر إلى مستقبله من خلالها والشعور المشترك بينه وبين من يشاركه في هذه المقومات والمميزات"، أما الجنسية السياسية فهي: " أن يكون للشعب ما لشعب آخر من حقوق مدنية وإجتماعية وسياسية ، مثلما كان عليه مثل على الآخر من واجبات إشتركا في القيام بها لظروف ومصالح ربطت بينهما " ، وباللجوء إلى النظرة المزدوجة للأمور، فرق في حياة الدولة بين جانبين :
• الجانب الإجتماعي والأخلاقي الذي يهم كافة المسلمين.
• الجانب السياسي والحكومي الذي يخص كل شعب مسلم على حده
ومنه يمكن تلخيص مبادئه في ما يلي :
• الأمة هي مصدر كل سلطة .
• هي التي تعين وتعزل الحكام وتحاسبهم ، ولا شل أن هذا التعيين يكون عن طريق الإنتخاب .
• تحكم الأمة نفسها بنفسها مما يستتبع الطابع الجمهوري للحكم لأن الحاكم هو مجرد منفذ لإرادة
الأمة .
• تراقب الأمة الحاكم وتساءله عند الحاجة وتستطيع عزله .
• الأمة هي التي تضع القانون عن طريق أهل الحل والعقد ، والحاكم يعمل على تنفيذه فقط
فهناك فصل بين الهيئات الممارسة للسلطة أو الوظائف الأساسية في الدولة ، مما يستتبع وجود فصل بين السلطات بالمعنى التقليدي أو توزيع للوظائف، وهذا أقرب إلى الفكرة الأساسية المتمثلة في رقاب الأمة الدائمة والمستمرة وحقها في المحاسبة والعزل.
الحزب الشيوعي الجزائري :
رغم أن الحزب الشيوعي الجزائري ظهر إلى الوجود بصفة رسمية إبتداءا من أكتوبر 1936 إلا أن الحركة الشيوعية في الجزائر أقدم من ذلك بكثير حيث تجلب بشكل منظم في إطار الحزب الشيوعي الفرنسي الذي أنشئ في سنة 19520 .
وبإختصار يمكن القول أن الحزب الشيوعي الجزائري سليل الحزب الشيوعي الفرنسي الذي إتخذ قرار إنشاء الحزب الشيوعي الجزائري ، الشيء الذي جعل إستقلاله ظاهريا وشكليا فقط ، مما لم يسمح له بتحقيق إستقلال موضوعي ، ولذا بقي بشكل دائم خاضعا إلى إستراتيجية الشيوعية العالمية العامة والحزب الفرنسي خاصة ، بطريقة عضوية حيث كان لهذا الأخير مشرفين دائمين ومكونين وموجهين في الحزب الجزائري الذي بقي بحكم ذلك ، حتى نهايته مجرد صدى للحزب الفرنسي .
هذا ما جعله يتخلى عن المطالبة بإستقلال الجزائر وتمحورت سياسته في الدعوى إلى الإتحاد و الإنضمام إلى فرنسا من أجل مواجهة العدو المشترك الخارجي، أي النازية والفاشية ، وإنقاذ الديمقراطية، ولذا يعتبر الجزائر جزءا من فرنسا وكان في نفس الوقت عضوا في المؤتمر الإسلامي من أجل إلحاق الجزائر بفرنسا ، وعضوا في الجبهة الشعبية الحاكمة بفرنسا آنذاك فلم يكن إذن من المتصور أن يحارب نفسه بنفسه، مما جعله يصف كل المنادين بالإستقلال بالنازيين والفاشيين ، ومما جعل برنامجه برنامجا إصلاحيا ، رغم تضارب الماركسية والإصلاحية فتمثل البرنامج في :
الدعوة إلى الإدماج و الإمتزاج و الإلحاق بفرنسا زيادة إلى المطالب الإقتصادية و الإجتماعية التقليدية المعروفة عند الأمير خالد والتشكيلات الأخرى .
لقد وقع الحزب الشيوعي الجزائري في ثلاثة أخطاء رئيسية شكلت عوائق كبرى في طريقة وأدت به إلى الفشل في تجنيد الجماهير وتحقيق تطوره بالجزائر .
1-تركيبته الإجتماعية كان مناضلوه من عمال المدن الأجانب خاصة ، أوضاعهم المادية والإجتماعية أفضل من العمال الجزائريين ، زيادة على معتقداتم العنصرية والتمييزية مما جعله يبقى مرتبط بالحزب الفرنسي ويبتعد عن المناداة بالإستقلال.
2) نظرية المزدوجة للمجتمع الجزائري حيث قسم المجتمع الجزائري إلى حضريين وهم سكان المدن وإلى سكان الأرياف ولذلك لم يكتشف الطابع البروليتاري لعمال الريف ومالكي القطع الأرضية الصغيرة الذين كانوا في وضع عمال بالنسبة لمعمرين وفي خدمتهم .
3) بنى كامل سياسته على فكرة أن الجزائر أمة في طور التكوين حيث أنها خليط من 20 عرقا وتحتاج من أجل نضوجها وتوحيد الوحدة بين مختلف الأعراق والأجناس إلى مساعدة الجمهورية الفرنسية ومهمة الحزب هي العمل على تحقيق هذه الوحدة ، أما مادامت تلك الأجناس مشتتة ومتنافرة فلا يمكن الإنفصال عن فرنسا، الوطن الأم .
إرسال تعليق